فصل: تفسير الآيات (1- 5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»



.تفسير الآيات (70- 76):

{إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76)}
وقوله: {إِن يوحى إِلَىَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} قال الفراء: إن شئْتَ جَعَلْتَ {أَنَّما} في موضِعِ رفعِ، كأنَّهُ قَالَ: مَا يوحى إليَّ إلا الإنْذَارُ، أو: ما يوحى إلَيَّ إلا أَنِّي نَذِيرٌ مُبينٌ، انتهى، وهكذا قال أَبو حَيَّان: {إن} بمعنى: ما وباقي الآيةِ بَيِّنٌ مِمَّا تَقَدَّمَ في البَقَرَةِ وغيرِها.
وقوله تعالى: {بِيَدَىَّ} عبارةٌ عن القُدْرَةِ والقُوَّةِ.
وقوله: {أَسْتَكْبَرْتَ}: المعنى: أَحَدَثَ لك الاسْتكبارُ الآن أم كنتَ قديماً مِمَّنْ لا يليق أنْ تُكَلَّفَ مِثْلَ هذا لِعَلُوِّ مَكَانِك؛ وهذا على جهةِ التوبيخِ له.

.تفسير الآيات (77- 86):

{قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)}
وقوله تعالى: {قَالَ فاخرج مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى إلى يَوْمِ الدين قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِى إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين إلى يَوْمِ الوقت المعلوم} الآية، الرَّجِيمُ أي: المرجُومُ بالقولِ السَّيِّئ، واللعنةَ: الإبْعَادُ.
وقوله سبحانه: {فالحق والحق أَقُولُ} قال مجاهدٌ: المعنى: فالحقُّ أنا، وقرأ الجمهور: {فالْحَقَّ وَالحَقَّ} بِنَصْبِ الاثْنَيْنِ، فأما الثاني، فمنصوبٌ ب {أقول} وأما الأوَّلُ فَيَحْتَمِلُ أنْ يَنْتَصِبَ عَلَى الإغْرَاءِ، ويحتملُ أنْ ينتصبَ على القَسَمِ، على إسقاط حرفِ القَسَمِ، كأنه قال: فَوَالحَقِّ؛ ثم حَذَفَ الحَرْفَ؛ كَمَا تَقُولُ: اللَّهَ، لأَفْعَلَنَّ، تريدُ واللَّهِ؛ ويقوِّي ذلك قولُه: {لأَمْلاَنَّ} وقد قال سِيبَوَيْهِ: قلتُ للخَلِيلِ: ما معْنَى: لأَفْعَلَنَّ إذا جاءتْ مبتدأَةً؟ فقال: هي بتقديرِ قَسَمٍ مَنْوِيٍّ، وقالَتْ فرقةٌ: {الحَقَّ} الأول منصوبٌ بفعلِ ومُضمر، وقرأ ابن عباس: {فَالحَقُّ وَالحَقُّ} برفعِ الاثنين، وقرأ عاصمٌ وحمزة: {فَالحَقُّ} بالرفع، وَ{الحَقَّ} بالنصب، وهي قراءةُ مجاهدٍ وغيرِه.
ثم أمر تعالى نبيَّه أنْ يخبرَهم بأنه ليس بسائلٍ منهم عليه أجراً وأنه ليس ممن يتكَلَّفُ ما لم يُجْعَلْ إليه، ولا يَخْتَلِي بغيرِ ما هُوَ فيه، قال الزُّبَيْرُ بْنُ العَوَّامِ: نادى منادِي النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِلَّذِينَ لاَ يَدَّعُونَ، ولاَ يَتَكَلَّفُونَ؛ أَلاَ إنِّي بَرِيءٌ مِنَ التَّكَلُّفِ وَصَالِحُو أُمَّتِي»

.تفسير الآيات (87- 88):

{إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)}
وقوله: {إِنْ هُوَ} يريدُ القرآن و{ذُكِرٌ} بمعنى تَذْكِرَة، ثم توعَّدَهُمْ بقوله: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ} وهذَا على حَذْفٍ تقديرُه: لتعلمنَّ صِدْقَ نَبئه بعد حين، قال ابن زيد: أشار إلى يوم القيامة، وقال قتادة والحَسَن: أشار إلى الآجالِ الَّتي لهم؛ لأن كُلَّ وَاحِدٍ منهم يَعْرِفُ الحَقَائِقَ بَعْدَ مَوْتِهِ.

.تفسير سورة الزمر:

وهي مكية بإجماع غير ثلاث آيات نزلت في شأن وحشي قاتل حمزة بن عبد المطلب، وهي: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} الآيات.
وقالت فرقة: إلى آخر السورة هو مدني.
وقيل: فيها مدني سبع آيات.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 5):

{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)}
قوله تعالى: {تَنزِيلُ الكتاب...} الآية، {تَنزِيلُ} رفعُ بالابتداءِ، والخبرُ قوله: {مِنَ الله} وقالتْ فرقَة: {تَنزِيلُ} خَبَرُ مبتدإ محذوفٍ، تقديرُه: هذا تنزيلٌ، والإشَارَةُ إلى القرآنِ؛ قاله المفسرون، ويظهرُ لِي أَنَّه اسمٌ عامٌ لجميعِ ما تَنَزَّلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فكأنَّه أخْبَرَ إخباراً مجرَّداً أَنَّ الكُتُبَ الهاديةَ الشارِعَة إنما تَنْزيلُهَا من اللَّه تعالى، وجَعَلَ هذا الإخْبَارَ تَقْدِمَةً وتَوْطِئَةً لقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب}.
وقوله: {بالحق} معناه: متضمِّناً الحَقَّ، أي: بالحقِّ فيه، وفي أحْكَامِهِ وأخباره، و{الدين} هنا يَعُمُّ المُعْتَقَدَاتِ وأعمالَ الجَوَارِحِ، قال قتادة: و{الدين الخالص}: لاَ إله إلاَّ اللَّهُ.
وقوله تعالى: {والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ...} الآية، أي: يقولون، مَا نَعْبُدُهُمْ إلا ليُقَرِّبُونَا إلى اللَّه زلفى، وفي مصحف ابن مسعودٍ: {قَالُوا مَا نَعْبُدُهُمْ} وهي قراءة ابن عبَّاس وغيرِه، وهذه المقالة شائعةٌ في العرب في الجاهلية يقولون في معبوداتِهم منَ الأصْنام وغيرها: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه، قال مجاهد: وقد قال ذلك قومٌ من اليهودِ في عُزَيْرٍ، وقومٌ من النصارى في عيسى.
و{زلفى} بمعنى قُرْبَةٍ وتَوْصِلَةٍ، كأنهم قَالُوا ليقرِّبونا إلى اللَّه تَقْرِيباً، وكأنَّ هذه الطوائفَ كلَّها تَرَى نُفُوسَها أقلَّ من أن تَتَّصِلَ هي باللَّه، فكانت ترى أن تَتَّصِلَ بمخلوقاتِه.
و{زلفى} عند سيبَوَيْهِ، مَصْدَرٌ في موضع الحال كأَنَّه تَنَزَّلَ مَنْزِلَةَ مُتَزَلِّفِينَ والعاملُ فيه {لِيُقَرِّبُونَا}، وقرأ الجَحْدَرِيُّ {كذَّابٌ كَفَّارٌ} بالمبالَغَةِ فيهما، وهذه المبالغةُ إشارةٌ إلى التَوَغُّلِ في الكُفْرِ.
وقوله تعالى: {لَّوْ أَرَادَ الله أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} معناه: اتِّخَاذُ التشريفِ والتبنِّي؛ وعلى هذا يستقيمُ قولُه تعالى: {لاصطفى مِمَّا يَخْلُقُ} وأمَّا الاتخاذُ المعهودُ في الشاهدِ فَمُسْتَحِيلٌ أن يُتَوَهَّمَ في جهة اللَّه تعالى، ولا يستقيمُ عليه معنى قوله: {لاصطفى مِمَّا يَخْلُقُ}، وقوله تعالى: {وَمَا يَنبَغِى للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} [مريم: 92] لفظٌ يعمُّ اتخَاذَ النسلِ واتخاذَ الاصطِفاء، فأما الأول فمعقولٌ، وأمَّا الثاني فمعروفٌ بخبر الشرع، ومما يدل على أن مَعْنى قوله: {أَن يَتَّخِذَ} إنما المقصودُ به اتخاذُ اصطفاء، وَتَبَنٍّ قولُهُ: {مِمَّا يَخْلُقُ} أي: مِنْ موجوداتِه ومُحْدَثَاتِه ثم نَزَّهَ سبحانه نفسَه تنزيهاً مطلقاً عن كلِّ ما لاَ يَلِيقُ بهِ سبحانه.
وقوله تعالى: {يُكَوِّرُ الليل عَلَى النهار...} الآية، معناه: يُعِيدُ مِنْ هَذَا على هذا، ومنه كُورُ العِمَامَة التي يَلْتَوِي بعضُها على بعض، فكأن الذي يطولُ مِن النهارِ أو الليلِ يصيرُ مِنْه على الآخرِ جُزْءٌ فيستُرُهُ، وكأن الآخرَ الذي يَقْصُرُ يَلِجُ في الذي يَطولُ، فيستَتِرُ فيه.

.تفسير الآيات (6- 7):

{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)}
وقوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ واحدة ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} قيل: {ثُمَّ} هنا: لترتيب الإخْبَارِ لا لترتِيبِ الوُجُودِ، وقيل: قوله: {خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ واحدة}: هو أخذ الذريةَ مِن ظهر آدم، وذلك شيءٌ كان قبل خلق حَوَّاءَ، * ت *: وهذا يحتاج إلى سندٍ قاطعٍ.
وقوله سبحانه: {فِى ظلمات ثلاث} قالت فرقة: الأولى هي ظَهْرُ الأَبِ، ثم رَحِمُ الأمِّ، ثم المَشِيمَةُ في البَطْن، وقال مجاهد وغيره: هي المَشِيمَةُ والرَّحِمُ والبَطْنُ، وهذه الآياتُ كلُّها فيها عِبَرٌ وتنبيهٌ على تَوْحِيدِ الخالِق الذَّي لاَ يَسْتَحِقُّ العبادةَ غَيْرُهُ وتوهينٌ لأمْرِ الأصنام.
وقوله سبحانه: {إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنكُمْ...} الآية، قال ابنُ عباس: هذه الآيةُ مخاطبَةٌ للكفارِ، قال * ع *: وتحتملُ أن تكونَ مخاطبةً لجميع الناس، لأن اللَّهَ سبحانه غنيٌّ عَن جميعِ الناسِ، وهم فقراءُ إليه، واخْتَلَفَ المتأولونَ مِن أهْلِ السنةِ في تأويل قوله تعالى: {وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر} فقالت فرقة: الرِّضا بمعنى الإرادَةِ، والكلامُ ظاهرُه العمومُ، ومعناه الخصوصُ فيمن قَضَى اللَّهُ له بالإيمان، وحتَّمَهُ له، فعبادُه على هذا ملائكتُهُ ومؤمِنو الإنْسِ والجِنِّ، وهذا يتركَّبُ على قول ابن عباس، وقالت فرقة: الكلامُ عُمُومٌ صحيحٌ، والكُفْرُ يقعُ مِمَّنْ يَقَعُ بإرادَةِ اللَّهِ تعالى، إلا أنه بَعْدَ وُقُوعِهِ لاَ يَرْضَاهُ دِيناً لهم، ومعنى لا يرضاه: لا يشكرُه لهُمْ، ولا يُثيبُهم بهِ خَيْراً، فالرضى: على هذا هو صفةُ فِعْلٍ بمعنى، القَبُولِ، ونحوِه، وتأمَّلِ الإرَادَةَ فإنما هي حقيقةٌ فيما لَمْ يَقَعْ بَعْدُ، والرِّضا؛ فإنما هُو حقيقةٌ فِيمَا قَدْ وَقَعَ، واعْتَبِرْ هذا في آيات القرآن تجِدْهُ، وإنْ كانت العربُ قد تستعمل في أشعارها على جهة التجوُّز هذا بَدَلَ هذا.
وقوله تعالى: {وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ} عمومٌ، والشكرُ الحقيقيُّ في ضِمْنِهِ الإيمانُ، قال النوويُّ: وَرُوِّينَا في سُنَنِ أبي دَاوُدَ عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ، أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «من قال: رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبّاً وبِالإسْلاَمِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم رَسُولاً، وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّة» انتهى.

.تفسير الآيات (8- 9):

{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)}
وقوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ...} الآية: {الإنسان} هنا: الكافرُ، وهذه الآيةُ بَيَّنَ تعالى بها عَلَى الكُفَّارِ، أنَّهُمْ على كُلِّ حَالٍ يَلْجَئونَ إليه في حالِ الضروراتِ، و{خَوَّلَهُ} معناه مَلكه وحكَّمَه فيها ابتداءً من اللَّهِ لاَ مُجَازَاةً، ولا يقالُ في الجزاء خَوَّلَ.
وقوله تعالى: {نَسِيَ مَا كَانَ يدعوا إِلَيْهِ} قالت فرقة: {ما} مصدريةٌ، والمعنى: نسِيَ دعاءَه إليه في حالِ الضَّرُورَةِ، وَرَجَعَ إلى كُفْرِهِ، وقالت فرقة {ما} بمعْنَى: الذي، والمرادُ بها اللَّه تعالى، أي: نسي اللَّه، وعبارة الثعلبي: قوله: {نَسِيَ مَا كَانَ يدعوا إِلَيْهِ مِن قَبْلُ} أي: تَرَكَ عبادَة اللَّه تعالى والتضرُّعَ إليهِ من قَبْلُ في حال الضُّرِّ انتهى وباقي الآية بيِّنٌ.
وقوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} بتخفيف الميمِ، هي قراءة نافعٍ وابنِ كَثِيرٍ وحمزة، والهَمْزةُ للتقرير والاستفهام، وكأنه يقولُ: أهذا القانتُ خَيْرٌ أم هذا المذكورُ الذي يتمتَّعُ بكُفْرِهِ قليلاً، وهو من أَصْحَاب النار، وقرأ الباقونَ: {أَمَّنْ} بتشديدِ الميمِ، والمعنى: أهذا الكافرُ خَيْرٌ أمَّنْ هُو قَانِتٌ؟ والقانتُ: المطِيعُ؛ وبهذا فسَّره ابنُ عبَّاس رضي اللَّه عنهما، والقُنُوتُ في الكلام يَقَع عَلى القِراءةِ وَعَلى طُولِ القيامِ في الصلاةِ؛ وبهذا فسَّره ابنُ عُمَرَ رَضِي اللَّه عنهما قال الفَخْرُ: قيل: إن المرادَ بقوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَاءَ اليل}: عُثْمَانُ بْنُ عفَّانَ؛ لأنَّه كَان يُحْيِي الليل، والصحيحُ أنها عامَّةٌ في كلِ من اتَّصَفَ بهذه الصِّفَةِ، وفي هذه الآية تنبيهٌ على فضلِ قيامِ الليلِ، انتهى، ورُوِيَ عن ابن عَبَّاسٍ؛ أَنَّه قالَ: «مَنْ أحَبَّ أَنْ يُهَوِّنَ اللَّهُ عليه الوقوفَ يوم القيامةِ، فَلْيَرَهُ اللَّهُ في سَوَادِ اللَّيْلِ سَاجِداً وقائِماً»، * ت * قال الشيخ عبدُ الحَقِّ في العَاقِبَةِ: وعن قَبِيصَةَ بْنِ سُفْيَانَ قال: رأيتُ سُفْيانَ الثَّوْرِيَّ في المنام بعد موته؛ فقلتُ له: ما فعل اللَّه بك؟ فقال: [الطويل]
نَظَرْتُ إلى رَبِّي عِيَاناً فَقَالَ لِي ** هَنِيئاً رِضَائي عَنْكَ يَا بْنَ سَعِيدِ

لَقَدْ كُنْتَ قَوَّاماً إذَا اللَّيْلُ قَدْ دَجَا ** بِعَبْرَةِ مَحْزُونٍ وَقَلْبِ عَمِيدِ

فَدُونَكَ فاختر أَيَّ قَصْرٍ تُرِيدُه ** وَزُرْنِي فَإنِّي مِنْكَ غَيْرُ بَعِيدِ

وكَانَ شُعْبَة بن الحَجَّاج، ومِسْعَرُ بْن كِدَامٍ، رجلَيْنِ فَاضِلَيْنِ، وكانَا مِنْ ثِقَاتِ المُحَدِّثينَ وحُفَّاظِهِم، وكان شُعْبَةُ أَكْبَرَ فَمَاتَا، قال أبو أحمد اليَزِيدِيُّ، فرَأَيتُهما في النَّوْمِ، وكنتُ إلى شُعْبَةَ أَمْيَلَ مِنِّي إلى مِسْعَرٍ، فقلتُ: يا أبا بِسْطَامَ؛ ما فَعَلَ اللَّهُ بك؟ فقال: وَفَّقَكَ اللَّه يا بُنَيَّ، احفظ ما أقُولُ:
حَبَانِي إلهي فِي الْجِنِانِ بِقُبَّة ** لَهَا أَلْفُ بَابٍ مِنْ لُجَيْنٍ وَجَوْهَرَا

وَقَالَ لِيَ الْجَبَّارُ: يَا شُعْبَةُ الَّذِي ** تَبَحَّرَ في جَمْعِ الْعُلُومِ وَأَكْثَرَا

تَمَتَّعْ بِقُرْبِي إنَّنِي عَنْكَ ذُو رِضاً ** وَعَنْ عَبْدِيَ القَوَّامِ في اللَّيْلِ مِسْعَرَا

كفى مِسْعَراً عِزًّا بِأنْ سَيَزُورُنِي ** وَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِي وَيَدْنُو لِيَنْظُرَا

وهذا فِعَالِي بِالَّذِينَ تَنَسَّكُوا ** وَلَمْ يَأْلَفُوا في سَالِفِ الدَّهْرِ مُنْكَرَا

انتهى. والآناء: الساعاتُ واحدها إنًى؛ كَمِعًى ويقال: إِنْيٌ بكسر الهمزة وسكون النون، وأَنًى على وزن قَفاً.
وقوله سبحانه: {يَحْذَرُ الأخرة وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ} قال ابْنُ الجوزيِّ في المُنْتَخَبِ: يقولُ اللَّه تعالى: «لاَ أجْمَعُ على عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَلاَ أَمْنَيْنِ؛ مَنْ خَافَنِي في الدُّنْيَا، أمَّنتُهُ في الآخِرَةِ، وَمَنْ أَمِنَنِي في الدُّنْيَا خَوَّفْتُهُ في الآخِرَةِ»، يَا أَخِي: امتطَى القَوْمُ مَطَايَا الدجى على مَرْكَبِ السَّهَرِ، فَمَا حَلُّوا وَلاَ حَلُّوا رِحَالَهُمْ حَتَّى السَّحَرْ، دَرَسُوا القُرآن فَغَرَسُوا بِأَيْدِي الْفِكْرِ أَزْكَى الشَّجَرْ، وَمَالُوا إلى النُّفُوسِ بِاللَّوْمِ؛ فَلاَ تَسْأَلْ عَمَّا شَجَرْ، رَجَعُوا بِنَيْلِ القَبُولِ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرْ، وَوَقَفُوا على كَنْزِ النَّجَاةِ وَمَا عِنْدَكَ خَبَرْ، فإذا جَاء النَّهَارُ قَدَّمُوا طَعَامَ الجُوعِ، وَقَالُوا لِلنَّفْسِ: هَذَا الَّذِي حَضَرْ، حَذَوْا عزَمَاتٍ طَاحَتِ الأَرْضُ بَيْنَهَا، فَصَارَ سُرَاهُمْ في ظُهُورِ العَزَائِمْ، تَرَاهُمْ نُجُومَ اللَّيْلِ مَا يَبْتَغُونَهُ على عَاتِقِ الشعرى وَهَامِ النَّعَائِمْ، مَالَتْ بِالقَوْمِ رِيحُ السَّحَرِ مَيْلَ الشَّجَرِ بِالأَغْصَانْ، وَهَزَّ الخَوْفُ أَفْنَانْ القُلُوبِ فانتشرت الأَفْنَان، فَالقَلْبُ يَخْشَعُ واللِّسَانُ يَضْرَعُ وَالعَيْنُ تَدْمَعُ وَالوَقْتُ بُسْتَانْ، خَلَوْتُهُمْ بِالحَبِيبِ تَشْغَلُهُمْ عَنْ نُعْمٍ وَنَعْمَانْ، سُرُورُهُمْ أَسَاوِرُهُمْ وَالخُشُوعُ تِيجِانْ، خُضُوعُهُمْ حُلاَهُمْ وَمَاءُ دَمْعِهِمْ دُرٌّ وَمَرْجَانْ، بَاعُوا الْحِرْصَ بِالقَنَاعَةِ فَمَا مُلكُ أَنُوشِرْوَان، فَإذَا وَرَدُوا القِيَامَةَ تَلَقَّاهُمْ بَشَرٌ: لَوْلاَكُمْ مَا طَابَ الجِنَانْ، يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانْ، أَيْنَ أَنْتَ مِنْهُمْ يَا نَائِمُ كَيَقْظَانْ، كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ أَيْنَ الشُّجَاعُ مِنَ الجَبَانْ، مَا لِلْمَوَاعِظِ فِيكَ نُجْحٌ، مَوْضِعُ القَلْبِ بِاللَّهْوِ مِنْكَ مَلآنْ، يَا أَخِي، قِفْ على بَابِ النَّجَاحِ ولكن وُقُوفَ لُهْفَانْ، واركب سُفُنَ الصَّلاَحِ، فهذا المَوْتُ طُوفَانْ، إخْوَانِي، إنَّمَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مَرَاحِلْ؛ وَمَرْكَبُ العُمْرِ قَدْ قَارَبَ السَّاحِلْ، فانتبه لِنَفْسِكَ وازدجر يَا غَافِلْ، يَا هَذَا، أَنْتَ مُقِيمٌ فيَّ مُنَاخِ الرَّاحِلِينَ، وَيْحَكَ اغتنم أَيَّامَ الْقُدْرَةِ قَبْلَ صَيْحَةِ، الانْتِزَاعِ، فَما أقْرَب مَا يُنْتَظَرْ، وَمَا أَقَلَّ المُكْثَ فِيمَا يَزُولُ وَيَتَغَيَّرْ. انتهى.

.تفسير الآيات (10- 16):

{قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)}
وقوله تعالى: {قُلْ ياعباد الذين ءامَنُواْ اتقوا رَبَّكُمْ} يُرْوَى أنَّ هذهِ الآيةَ نزلتْ في جَعْفَرِ بن أبي طالب وأصحابِهِ، حِينَ عزموا على الهجرة إلى أرض الحبشة، ووعد سبحانه بقوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ في هذه الدنيا حَسَنَةٌ} فقولهُ: {فِى هذه الدنيا} متعلق ب {أَحْسَنُواْ}، والمعنى: إنَّ الذين يُحْسِنُونَ في الدنيا لَهُمْ حَسَنَةٌ في الآخِرَة، وهي الجنةُ والنعيمُ؛ قاله مقاتلٌ ويحتملُ أنْ يريدَ: أن الذينَ يُحْسِنُونَ لهُم حسَنَةٌ في الدنيا، وهي العافيةُ والظهورُ وولايةُ اللَّهِ تعالى؛ قاله السُّدّيُّ، والأَوَّلُ أرجح أن الحسَنَةَ هِي في الآخِرة.
وقوله سبحانه: {وَأَرْضُ الله وَاسِعَةٌ} حَضٌّ عَلى الهجرةِ، ثم وَعَدَ تعالى على الصَّبْرِ على المكارِهِ، والخروج مِنَ الوَطَنِ ونُصْرَةِ الدينِ وجميعِ الطاعات بِتَوْفِيَةِ الأجورِ بغير حِسَابٍ، وهذا يحْتَمِلُ معنيين:
أحدهما: أن الصابرَ يؤتى أَجْرَهُ وَلاَ يحاسَبُ على نعيمٍ ولا يُتَابَعُ بذنوبٍ، ويكونُ في جملة الذين يدخلون الجنةَ بغير حساب.
والثاني من المعنيين: أن أجورَ الصابرينَ توفى بغَيْرِ حَصْر وَلا عَدٍّ، بلْ جُزَافاً، وهذه استعارةٌ للكثرةِ التي لا تحصى؛ وإلى هذا التأويلِ ذَهَبَ جمهورُ المفسرينَ، حتى قال قتادةُ: لَيْسَ ثَمَّ واللَّهِ مِكْيَالٌ ولا ميزان، وفي الحديث أَنَّهُ لما نزلت {والله يضاعف لِمَن يَشَاءُ} [البقرة: 261] قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ، زِدْ أُمَّتِي»، فَنَزَلَتْ بَعْدَ ذلِكَ {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} [البقرة: 245] فقال: «اللَّهُمَّ زِدْ أُمَّتِي» حتى نزلَتْ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، قال: «رَضِيتُ يَا رَبِّ».
وقوله تعالى: {قُلْ إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} من المعلوم أنه عليه السلام معصومٌ من العِصْيَانِ، وإنما الخطابُ بالآيةِ لأِمَّتِهِ يَعُمُّهُمْ حكمُهُ، ويحفُّهم وعيدُهُ.
وقوله: {فاعبدوا مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ} هذه صيغةُ أَمْرٍ على جِهَةِ التهْدِيدِ، وهذا في القرآنِ كثيرٌ، والظُّلَّة ما غَشِيَ وعَمَّ كالسَّحَابَةِ وَسَقْفِ البيت، ونحوِه.
وقوله سبحانه: {ذلك يُخَوِّفُ الله بِهِ عِبَادَهُ} يريد: جميعَ العَالَمِ.